فن الفضاء ومكانته بين الفنون اليوم - لين مادون

فن الفضاء ومكانته بين الفنون اليوم
إذا أردنا الحديث بعيداً عن علم الفلك والخيال العلمي لفهم صورة الكون، فإننا قد نتحدث عن وجود أناس كانوا قد ذهبوا حيث لم يذهب أحد من قبل وأحضروا لنا نظرةً فنيةً عن عجائب الكون.
ظهر كلٌّ من فن الفضاء والفن الفلكي بشكلٍ موازٍ مع الاكتشافات العلمية التي سمحت لنا بإلقاء نظرة فاحصة على أسرار الكون. على الرغم من وجود العديد من ممارسي فن الفضاء في العالم، إلا أن هذا النوع لا يزال على هوامش إنتاج الفن المعاصر. ربما كان ارتباطه بالخيال العلمي والفانتازيا—اللذين يُنظر إليهما تقليدياً على أنهما دون غيرهما من الفنون—قد أثر على تهميش هذا الفن.
لكن من خلال دمج الاكتشافات العلمية مع التعبير الفني الجميل، يعمل ممارسو فن الفضاء على سد الفجوة بين التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، وإيصال الأفكار والإنجازات العلمية إلى جمهور أوسع.
في حديثنا اليوم، سنرى بعض الأعمال المثيرة للاهتمام، ونجيب على سؤال: أين مكان فن الفضاء بين الفنون اليوم؟

_{Alan Bean - Is Anyone Out There}

_{Alexei Leonov - The First Spacewalk}

_{David Hardy - Jupiter from Europa}

_{William Hartmann - A Martian Landscape}

تطور فن الفضاء في القرن العشرين
على الرغم من أن فن الفضاء كان قد أخد شكله الحالي في القرن العشرين، إلّا أنَّ هنالك العديد من نتاجات الإرث الإنساني الفلكي في العصور القديمة التي لا بد من ذكرها واستعراض بعضٍ منها في مقالةٍ لاحقة.
أما حديثنا اليوم فيتمحور حولَ تطور فن الفضاء في العقود القليلة الأولى من القرن العشرين، حيث ازدهر هذا النوع من الفنون وظهرت بعض أهم الأعمال التي مهدت الطريق لأجيال من الفنانين الشباب في استكشاف الفضاء. هناك اسمان مهمان يُنظر إليهما الآن على أنهما مؤسسا فن الفضاء الحديث: الفنان والفلكي الفرنسي لوسيان رودو (والذي اشتهر على نطاق واسع برسومه التوضيحية الفلكية التي تم الإشادة بها اليوم باعتبارها الأكثر دقة في تصوير المناظر الطبيعية على سطح القمر قبل ظهور صور المسبار) و الرسام الأمريكي تشيسلي بونيستل.
كان أسلوب بونيستل خيالياً وواقعياً ومتأثراً بخلفيته التعليمية في مجال الهندسة المعمارية واهتمامه الطويل بعلم الفلك. وقد كان أحد أشهر فناني الفلك في الأربعينيات من القرن الماضي، وهو الرجل الذي نشر على نطاق واسع فكرة السفر إلى الفضاء، وقدم مساهمة كبيرة في ولادة فكرة ريادة الفضاء.
كان جمال رسومات بونيستل مثيراً ومقنعاً لدرجة أنه غالباً ما يقال إنه بعد الهبوط الأول على القمر، كانت هناك تنهدات بخيبة أمل عالمية لأن سطح القمر لم يشبه إحدى لوحاته.
دقة التصوير
منذ ظهور الأعمال الفنية الأولى المستوحاة من علم الفلك الحديث، كان من أهم أهداف فناني الفضاء تصوير موضوعاتهم بدقة. على خلاف الفنانين الذين يعملون في الخيال العلمي ويجنحون بأفكارهم وأساليبهم إلى البحث والمعرفة كقاعدة لعملهم، يعتمد الفنانون الفلكيون على المدخلات والتفاصيل التي تأتي من رواد الفضاء وعلماء الفلك والخبراء العلميين.
وهذا هو السبب في كون فنهم في صراعٍ دائمٍ للحفاظ على الأصالة والخيال مع الإبقاء على الإلهام قريباً من الحقائق العلمية والواقع. في الوقت نفسه، تعد هذه الصفة واحدة من أفضل صفات أنواع الفنون الفضائية والفلكية. مع ذلك، كانت هناك بعض الأمثلة المثيرة للاهتمام لفنانين رواد فضاء لديهم خبرة مباشرة في الفضاء الخارجي تمكنوا من إنشاء أعمالهم بناءً على رؤاهم الشخصية. لعل أشهر رائد فضاء هو آلان بين، والذي كان عضو طاقم أبولو 12، والشخص الرابع الذي يمشي على سطح القمر. ومن روّاد الفضاء الآخرين الذين سافروا إلى الفضاء وعاشوا لرسمه اثنان من الروس فلاديمير دزانيبيكوف وأليكسي ليونوف.
الروّاد وأنواع فن الفضاء الفرعية
على الرغم من أن الواقعية والإلهام العلمي يعتبران أمراً مفروغاً منه في فن الفضاء، إلا أنه لا يوجد الآن حد علمي لما يمكن تصنيفه على أنه الفن الفضائي أو الفلكي. من المؤكد أن علم الفلك واستكشاف الفضاء هما الخيوط المشتركة، ولكن قد يختار الفنانون العمل في أي وسط، بل قد يخرجون عن الميول السابقة نحو العرض العلمي.
أفسحت الواقعية الوصفية في أعمال رودو وبونيستل المجال للعديد من الأنواع الفرعية الجديدة من الانطباعية الكونية الواسعة إلى علم الحيوان الكوني (تصوير كائنات فضائية) إلى فن الأجهزة الذي يركز على تمثيل معدات إعداد الفضاء.
كانت هناك أيضاً بعض الإنجازات العظيمة في فن النحت على مر السنين، وأكثرها إثارة للاهتمام هي الأعمال الفنية المصممة لعرض انعدام الجاذبية. بعض من أبرز فناني فن الفضاء الذين يعملون اليوم:
_{Don Dixon, Don Davis, and William Kenneth Hartmann}
ومن اللافت أن العديد من ممارسي فن الفضاء لا يأتون من خلفية الفنون الجميلة فقط، إنما من مختلف التخصصات العلمية أيضاً.

الرابطة الدولية للفنانين الفلكيين ومستقبل فن الفضاء
في عام 1982، قامت مجموعة من الفنانين المفتونين بالفضاء والذين كانوا يستكشفون جمال الكون في هذه الفنون الجميلة بتأسيس الرابطة الدولية للفنانين الفلكيين:
_{International Association of Astronomical Artists) IAAA)}
وتعتبر هذه المنظمة رائدةً والأكثر أهمية في هذا المجال، حيث تجمع الرابطة أكثر من 130 فناناً من أكثر من عشرين دولة. وتدعم الفنانين بغض النظر عن الأداة أو الوسيلة التي يستخدمونها، سواء كان التصوير الفوتوغرافي أو الرسم التقليدي أو الفن الرقمي. وتوفر منصة للتعاون الدولي وتعزيز التعليم حول الفن الفلكي.
كذلك، تم دعم فن الفضاء من قبل برنامج ناسا للفنون الجميلة بمهمة مستمرة تتمثل في جلب الفنانين الذين يعملون في الفنون الجميلة لتوثيق برامجهم الفضائية.
على مر السنين، ظهرت العديد من أعمال فناني الفضاء البارزين في العديد من المجلات العلمية والشعبية والأفلام الوثائقية التلفزيونية مثل:
_{Cosmos: A Personal Voyage}
بعد أكثر من نصف قرن على وصول الإنسان الأول إلى الفضاء، لا تزال أسرار الكون مبهمة بالنسبة لنا. وقد أظهر فن الفضاء في الماضي كيف يمكن أن يتعايش العلم والفن معاً، مما يجعل الاكتشافات الفلكية أقرب إلى جمهور أوسع.
والأهم من ذلك أنه ألهم العلماء ودفعهم نحو المضي قِدَماً في مساعيهم لاستكشاف جمال الكون وتقديره عبر منحه الاهتمام اللازم.
نهايةً، بين العلم والخيال يعد فن الفضاء أحد أكثر التخصصات الشابة إثارةً، وبدون أدنى شك يمكننا أن نتوقع عصراً ذهبياً له في المستقبل القريب، خاصة في عصرنا الرقمي.

لين مادون، فنانة سورية مقيمة في دمشق حاصلة على شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق، كلية الفنون الجميلة، قسم التصميم الغرافيكي والملتيميديا. تعمل لين في مجال الرسوم المتحركة، وتصميم الغرافيك، وتوثيق الأعمال الفنية، والرسم والتصوير، وصناعة المجوهرات. عضو في جمعية الفلكية السورية.